الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
.سورة الماعون: .تفسير الآيات (1- 7): {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)}قرئ: {أريت}، بحذف الهمزة، وليس بالاختيار؛ لأنّ حذفها مختص بالمضارع، ولم يصحّ عن العرب: ريت، ولكن الذي سهل من أمرها وقوع حرف الاستفهام في أوّل الكلام. ونحوه:وقرأ ابن مسعود: {أرأيتك} بزيادة حرف الخطاب، كقوله: {أرأيتك هذا الذي كرّمت عليّ} [الإسراء: 62] والمعنى: هل عرفت الذي يكذب بالجزاء من هو؟ إن لم تعرفه {فَذَلِكَ الذى} يكذب بالجزاء، هو الذي {يَدُعُّ اليتيم} أي: يدفعه دفعاً عنيفاً بجفوة وأذى، ويردّه ردّاً قبيحاً بزجر وخشونة. وقرئ: {يدع} أي: يترك ويجفو {وَلاَ يَحُضُّ} ولا يبعث أهله على بذل طعام المسكين، جعل علم التكذيب بالجزاء منع المعروف والإقدام على إيذاء الضعيف، يعني: أنه لو آمن بالجزاء وأيقن بالوعيد، لخشي الله تعالى وعقابه ولم يقدم على ذلك، فحين أقدم عليه: علم أنه مكذب، فما أشدّه من كلام، وأما أخوفه من مقام. وما أبلغه في التحذير من المعصية وأنها جديرة بأن يستدلّ بها على ضعف الإيمان ورخاوة عقد اليقين، ثم وصل به قوله {فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ} كأنه قال: فإذا كان الأمر كذلك، فويل للمصلين الذين يسهون عن الصلاة قلة مبالاة بها، حتى تفوتهم أو يخرج وقتها، أو لا يصلونها كما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف ولكن ينقرونها نقراً من غير خشوع وإخبات ولا اجتناب لما يكره فيها: من العبث باللحية والثياب وكثرة التثاؤب والالتفات، لا يدري الواحد منهم عن كم انصرف، ولا ما قرأ من السور، وكما ترى صلاة أكثر من ترى الذين عادتهم الرياء بأعمالهم ومنع حقوق أموالهم. والمعنى: أن هؤلاء أحق بأن يكون سهوهم عن الصلاة- التي هي عماد الدين، والفارق بين الإيمان والكفر والرياء الذي هو شعبة من الشرك، ومنع الزكاة التي هي شقيقة الصلاة وقنطرة الإسلام- علماً على أنهم مكذبون بالدين. وكم ترى من المتسمين بالإسلام، بل من العلماء منهم من هو على هذه الصفة، فيا مصيبتاه. وطريقة أخرى: أن يكون {فَذَلِكَ} عطفاً على {الذى يُكَذّبُ} إمّا عطف ذات على ذات، أوصفة على صفة، ويكون جواب {أَرَءَيْتَ} محذوفاً لدلالة ما بعده عليه، كأنه قيل: أخبرني، وما تقول فيمن يكذب بالجزاء؟ وفيمن يؤذي اليتيم ولا يطعم المسكين؟ أنِعم ما يصنع؟ ثم قال: {فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ} أي: إذا علم أنه مسيء، فويل للمصلين، على معنى: فويل لهم، إلا أنه وضع صفتهم موضع ضميرهم؛ لأنهم مع التكذيب وما أضيف إليهم ساهين عن الصلاة مرائين، غير مزكين أموالهم.فإن قلت: كيف جعلت المصلين قائماً مقام ضمير الذي يكذب، وهو واحد؟ قلت: معناه الجمع، لأنّ المراد به الجنس.فإن قلت: أيّ فرق بين قوله: {عَن صلاتهم} وبين قولك: (في صلاتهم)؟ قلت: معنى: (عن): أنهم ساهون عنها سهو ترك لها وقلة التفات إليها؛ وذلك فعل المنافقين أو الفسقة الشطار من المسلمين. ومعنى (في): أنّ السهو يعتريهم فيها بوسوسة شيطان أو حديث نفس، وذلك لا يكاد يخلو منه مسلم.وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقع له السهو في صلاته فضلاً عن غيره؛ ومن ثم أثبت الفقهاء باب سجود السهو في كتبهم.وعن أنس رضي الله عنه: الحمد لله على أن لم يقل في صلاتهم.وقرأ ابن مسعود: {لاهون} فإن قلت: ما معنى المراآة قلت: هي مفاعلة من الإراءة، لأنّ المرائي يري الناس عمله، وهم يرونه الثناء عليه والإعجاب به، ولا يكون الرجل مرائياً بإظهار العمل الصالح إن كان فريضة، فمن حقّ الفرائض الإعلان بها وتشهيرها، لقوله عليه الصلاة السلام: «ولا غمة في فرائض الله» لأنها أعلام الإسلام وشعائر الدين؛ ولأن تاركها يستحق الذمّ والمقت، فوجب إماطة التهمة بالإظهار؛ وإن كان تطوعاً، فحقه أن يخفي، لأنه مما لا يلام برتكه ولا تهمة فيه؛ فإن أظهره قاصداً للاقتداء به كان جميلاً، وإنما الرياء أن يقصد بالإظهار أن تراه الأعين، فيثنى عليه بالصلاح.وعن بعضهم: أنه رأى رجلاً في المسجد قد سجد سجدة الشكر وأطالها، فقال: ما أحسن هذا لو كان في بيتك؛ وإنما قال هذا لأنه توسم فيه الرياء والسمعة؛ على أن اجتناب الرياء صعب إلاّ على المرتاضين بالإخلاص. ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة المظلمة على المسح الأسود» {الماعون} الزكاة، قال الراعي: وعن ابن مسعود: ما يتعاور في العادة من الفأس والقدر والدلو والمقدحة ونحوها.وعن عائشة الماء والنار والملح؛ وقد يكون منع هذه الأشياء محظوراً في الشريعة إذا استعيرت عن اضطرار، وقبيحاً في المروءة في غير حال الضرورة.عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة أرأيت غفر الله له إن كان للزكاة مؤديا». .سورة الكوثر: .تفسير الآيات (1- 3): {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)}في قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إنا أنطيناك} بالنون. وفي حديثه صلى الله عليه وسلم: «وانطوا الثبجة» والكوثر فوعل من الكثرة وهو المفرط الكثرة.وقيل لأعرابية رجع ابنها من السفر: بم آب ابنك؟ قالت: آب بكوثر. وقال:وقيل: (الكوثر) نهر في الجنة.وعن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قرأها حين أنزلت عليه فقال: «أتدرون ما الكوثر؟ إنه نهر في الجنة وعدنيه ربي، فيه خير كثير» وروي في صفته: «أحلى من العسل، وأشدّ بياضاً من اللبن، وأبرد من الثلج، وألين من الزبد؛ حافتاه الزبرجد، وأوانيه من فضة عدد نجوم السماء» وروي: «لا يظمأ من شرب منه أبداً: أول وارديه: فقراء المهاجرين: الدنسو الثياب، الشعث الرؤوس، الذين لا يزوجون المنعمات، ولا تفتح لهم أبواب السدد، يموت أحدهم وحاجته تتلجلج في صدره، لو أقسم على الله لأبرّه» وعن ابن عباس أنه فسر الكوثر بالخير الكثير، فقال له سعيد بن جبير: إن ناساً يقولون: هو نهر في الجنة! فقال: هو من الخير الكثير. والنحر: نحر البدن؛ وعن عطية: هي صلاة الفجر بجمع، والنحر بمنى. وقيل: صلاة العيد والتضحية. وقيل: هي جنس الصلاة. والنحر: وضع اليمين على الشمال، والمعنى: أعطيت ما لا غاية لكثرته من خير الدارين الذي لم يعطه أحد غيرك، ومعطي ذلك كله أنا إله العالمين، فاجتمعت لك الغبطتان السنيتان: إصابة أشرف عطاء، وأوفره، من أكرم معط وأعظم منعم؛ فاعبد ربك الذي أعزّك بإعطائه، وشرفك وصانك من منن الخلق، مراغماً لقومك الذين يعبدون غير الله، وانحر لوجهه وباسمه إذا نحرت، مخالفاً لهم في النحر للأوثان (إن) من أبغضك من قومك لمخالفتك لهم {هُوَ الأبتر} لا أنت؛ لأنّ كل من يولد إلى يوم القيامة من المؤمنين فهم أولادك وأعقابك، وذكرك موفوع على المنابر والمنار، وعلى لسان كل عالم وذاكر إلى آخر الدهر، يبدأ بذكر الله ويثني بذكرك، ولك في الآخرة ما لا يدخل تحت الوصف، فمثلك لا يقال له أبتر: وإنما الأبتر هو شانئك المنسي في الدنيا والآخرة، وإن ذكر ذكر باللعن. وكانوا يقولون: إنّ محمداً صنبور: إذا مات مات ذكره. وقيل: نزلت في العاص بن وائل، وقد سماه الأبتر، والأبتر: الذي لا عقب له. ومنه الحمار الأبتر الذي لا ذنب له.عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الكوثر سقاه الله من كل نهر في الجنة ويكتب له عشر حسنات بعدد كل قربان قربه العباد في يوم النحر أو يقربونه». .سورة الكافرون: .تفسير الآيات (1- 6): {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}المخاطبون كفرة مخصوصون قد علم الله منهم أنهم لا يؤمنون. روي أنّ رهطاً من قريش قالوا: يا محمد، هلم فاتبع ديننا ونتبع دينك: تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، فقال: «معاذ الله أن أشرك بالله غيره» فقالوا: فاستلم بعض آلهتنا نصدقك ونعبد إلهك، فنزلت؛ فغدا إلى المسجد الحرام وفيه الملأ من قريش فقام على رؤوسهم فقرآها عليهم. فأيسوا. {لاَ أَعْبُدُ} أريدت به العبادة فيما يستقبل، لأنّ (لا) لا تدخل إلاّ على مضارع في معنى الاستقبال، كما أن (ما) لا تدخل إلاّ على مضارع في معنى الحال، ألا ترى أن (لن) تأكيد فيما تنفيه (لا). وقال الخليل في (لن): أنّ أصله (لا أن) والمعنى: لا أفعل في المستقبل ما تطلبونه مني من عبادة آلهتكم، ولا أنتم فاعلون فيه ما أطلب منكم من عبادة إلهي {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ} أي: وما كنت قطّ عابداً فيما سلف ما عبدتم فيه يعني: لم تعهد مني عبادة صنم في الجاهلية، فكيف ترجى مني في الإسلام {وَلاَ أَنتُمْ عابدون مَا أَعْبُدُ} أي: وما عبدتم في وقت ما أنا على عبادته.فإن قلت: فهلا قيل: ما عبدت، كما قيل: ما عبدتم؟ قلت: لأنهم كانوا يعبدون الأصنام قبل المبعث، وهو لم يكن يعبد الله تعالى في ذلك الوقت.فإن قلت: فلم جاء على (ما) دون (من)؟ قلت: لأن المراد الصفة، كأنه قال: لا أعبد الباطل، ولا تعبدون الحق. وقيل: إن (ما) مصدرية، أي: لا أعبد عبادتكم، ولا تعبدون عبادتي {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ} لكم شرككم، ولي توحيدي. والمعنى: أني نبيّ مبعوث إليكم لأدعوكم إلى الحق والنجاة، فإذا لم تقبلوا مني ولم تتبعوني، فدعونى كفافاً ولا تدعوني إلى الشرك.عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الكافرون فكأنما قرأ ربع القرآن وتباعدت منه مردة الشياطين، وبرئ من الشرك ويعافي من الفزع الأكبر»..سورة النصر: .تفسير الآيات (1- 3): {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)}{إِذَا جَاء} منصوب بسبح، وهو لما يستقبل. والاعلام بذلك قبل كونه من أعلام النبوّة. روي أنها نزلت في أيام التشريق بمنى في حجة الوداع.فإن قلت: ما الفرق بين النصر والفتح حتى عطف عليه؟ قلت: النصر الإغاثة والإظهار على العدوّ. ومنه: نصر الله الأرض غاثها. والفتح: فتح البلاد والمعنى نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم على العرب أو على قريش وفتح مكة وقيل: جنس نصر الله للمؤمنين وفتح بلاد الشرك عليهم. وكان فتح مكة لعشر مضين من شهر رمضان سنة ثمان، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وطوائف العرب، وأقام بها خمس عشرة ليلة، ثم خرج إلى هوازن، وحين دخلها وقف على باب الكعبة، ثم قال: «لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده»، ثم قال: «يا أهل مكة، ما ترون أني فاعل بكم؟» قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم. قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان الله تعالى أمكنه من رقابهم عنوة، وكانوا له فيئاً، فلذلك سمى أهل مكة الطلقاء، ثم بايعوه على الإسلام {فِى دِينِ الله} في ملة الإسلام التي لا دين له يضاف إليه غيرها {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85]. {أَفْوَاجاً} جماعات كثيفة كانت تدخل فيه القبيلة بأسرها بعد ما كانوا يدخلون فيه واحداً واحداً واثنين اثنين.وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أنه بكى ذات يوم، فقيل له. فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «دخل الناس في دين الله أفواجا وسيخرجون منه أفواجا» وقيل: أراد بالناس أهل اليمن. وقال أبو هريرة: لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر جاء نصر الله والفتح، وجاء أهل اليمن: قوم رقيقة قلوبهم، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية» وقال: «أجد نفير ربكم من قبل اليمن» وعن الحسن: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أقبلت العرب بعضها على بعض، فقالوا: أما إذ ظفر بأهل الحرم فليس به يدان، وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل وعن كل من أرادهم، فكانوا يدخلون في الإسلام أفواجاً من غير قتال.وقرأ ابن عباس: فتح الله والنصر. وقرئ: {يدخلون} على البناء للمفعول.فإن قلت: ما محل يدخلون؟ قلت: النصب إما على الحال، على أن رأيت بمعنى أبصرت أو عرفت. أو هو مفعول ثانٍ على أنه بمعنى علمت {فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ} فقل سبحان الله: حامداً له، أي: فتعجب لتيسير الله ما لم يخطر ببالك وبال أحد من أن يغلب أحد على أهل الحرم، واحمده على صنعه.أو: فاذكره مسبحاً حامداً، زيادة في عبادته والثناء عليه، لزيادة إنعامه عليك. أو فصل له. روت أمّ هانئ: أنه لما فتح باب الكعبة صلى صلاة الضحى ثماني ركعات، وعن عائشة: كان عليه الصلاة والسلام يكثر قبل موته أن يقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك»، والأمر بالاستغفار مع التسبيح تكميل للأمر بما هو قوام أمر الدين: من الجمع بين الطاعة والاحتراس من المعصية، ليكون أمره بذلك مع عصمته لطفاً لأمته، ولأنّ الاستغفار من التواضع لله وهضم النفس، فهو عبادة في نفسه.وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأستغفر في اليوم والليلة مائة مرة» وروي: أنه لما قرآها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أصحابه استبشروا وبكى العباس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يبكيك يا عم»؟ قال: نعيت إليك نفسك. قال: «إنها لكما تقول» فعاش بعدها سنتين لم ير فيهما ضاحكاً مستبشراً، وقيل: إن ابن عباس هو الذي قال ذلك؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أوتي هذا الغلام علماً كثيراً» وروي: أنها لما نزلت خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين لقائه، فاختار لقاء الله»، فعلم أبو بكر رضي الله عنه، فقال: فديناك بأنفسما وأموالنا وآبائنا وأولادنا.وعن ابن عباس أن عمر رضي الله عنهما كان يدينه ويأذن له مع أهل بدر، فقال عبد الرحمن: أتأذن لهذا الفتى معنا وفي آبائنا من هو مثله؟ فقال إنه ممن قد علمتم. قال ابن عباس: فأذن لهم ذات يوم، وأذن لي معهم، فسألهم عن قول الله تعالى: {إِذَا جَاء نَصْرُ الله} ولا أراه سألهم إلاّ من أجلي؛ فقال بعضهم: أمر الله نبيه إذا فتح عليه أن يستغفره ويتوب إليه؛ فقلت: ليس كذلك، ولكن نعيت إليه نفسه؛ فقال عمر: ما أعلم منها إلاّ مثل ما تعلم، ثم قال: كيف تلومونني عليه بعدما ترون؟ وعن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه دعا فاطمة رضي الله عنها فقال: «يا بنتاه إنه نعيت إليّ نفسي»، فبكت، فقال: «لا تبكي، فإنك أوّل أهلي لحوقاً بي» وعن ابن مسعود أنّ هذه السورة تسمى سورة التوديع {كَانَ تَوَّاباً} أي: كان في الأزمنة الماضية منذ خلق المكلفين تواباً عليهم إذا استغفروا، فعلى كل مستغفر أن يتوقع مثل ذلك.عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة إذا جاء نصر الله أعطي من الأجر كمن شهد مع محمد يوم فتح مكة».
|